حي جنوب الملعب، ذاك الحي المنتفض يرد ذكره كثيراً في نشرات الأخبار منذ أن اشتعلت الثورة السورية في مدينة حماة، ومَن من الحمويين لايعرف ذلك الحي ولايعرف ثواره اليتامى؟! من منهم لايعرف المجزرة التي ارتكبت بحق سكانه والتي راح ضحيتها ألف وخمسمئة شهيد دفعة واحدة وبإعدام ميداني جماعي؟! وكيف ينسى سكان هذه المدينة المنكوبة حي بستان السعادة الذي تحول إلى مقبرة جماعية وأنقاض. أم أحياء العصيدة والزنبقي التي هدمت فوق ساكنيها وارتفع مكانها فندقاً ومبنى لقيادة الشرطة ومبنى لفرع حزب البعث! كيف تنسى سورية مساجد المدينة الأثرية وكنائسها التاريخية وآثارها الموجودة فيها قدم التاريخ والتي نسفت بمدافع كتائب الأسد وقذائفها؟!
ثلاثة عقود مرت على أبشع مجازر العصر الحديث، ثلاثة عقود عانى فيها سكان هذه المدينة الصامدة الأبية من اضطهاد وإجرام هذا النظام، ثلاثة عقود وهم يتحملون التنكيل والاعتقال بسجونه البائدة، ثلاثة عقود مرت وكل يوم تشرق الشمس على حماة فترتطم أشعتها بتمثال البائد حافظ الذي ارتكب المجزرة وعظم نفسه بصنم في مدخل المدينة الجنوبي.
مشوهوا التاريخ والحقيقة شاركوا أيضاً بارتكاب المجزرة، يخرج عليك هؤلاء بقولهم أن مجزرة حماة قد ارتكبت بحق تنظيم مسلح يسمى الأخوان المسلمين، ولست في صدد الحديث عن هذه الحركة ولاوصفها ولا إطلاق أي حكم عليها، لكن تناسى هؤلاء المشوهون أن يذكروا أن عدد المسلحين كان يقارب الثلاثمئة وأن ستين ألف من أبناء المدينة قد قضوا من أجل ثلاثمئة مسلح!! لذلك فإن مدينة حماة يجب أن تبقى خارج الثورة السورية وألا نعتبرها، فهؤلاء انتقاميون خرجوا انتقاماً للأخوان المسلمين!
الخامس عشر من آذار، حمل ميلاداً جديداً لهذه المدينة المنكوبة .. ميلاداً جديداً لأبنائها الطيبين البسطاء، لأبنائها الذين افتدوا أرض بلادهم ضد الاستعمار الفرنسي ولم يتوانوا لحظة عن نصرة أبناء بلدهم .. ميلاداً جديداً للمعتقلين وذويهم .. ميلاداً جديداً لأسر الشهداء وأبنائهم .. ميلاداً جديداً لأبي الذي اعتقل وواجه الموت، لأبي الذي استشهد أخوه واعتقل أخوه الآخر لمدة أحد عشر عاماً في سجون الأسد الظلامية.
الخامس عشر من آذار حلمٌ راودنا عبر ثلاثة عقود من الزمن، نحن الانتقاميون لستين ألف شهيد، نخرج اليوم وكل يوم انتقاماً من حافظ ورفعت! نخرج اليوم وفي ذاكرتنا اليومية مافعله حافظ ورفعت بآبائنا! نخرج اليوم لنعلن للعالم أن المجزرة حية فينا وباقية .. وسنخبر عنها أحفادنا وننقلها عبر التاريخ .. لنعلن للعالم أن ثلاثين عاماً من القهر ومحاولة طمس معالم المجزرة كانت غير مجدية ولن تمر دون حساب أو محاكمة، فالقصص والمجازر اليومية مسجلة بتفاصيلها .. وسنحاكم كل متورط في قتل آبائنا ..
الخامس عشر من آذار، كان عهداً جديداً لمجزرة جديدة لكن بطبيعة مختلفة ترى فيها حماة أخواتها المدن السورية تخرج في وجه الطاغية، ترى فيه حمص وإدلب ودير الزور ودرعا وباقي المدن .. تخرج في وجه من قتل أبنائها .. عهداً جديداً ترى فيه كل سوري ينصر أخيه السوري … عهد نرى فيه حمص تنصر حماة .. وإدلب تنصر درعا .. ودير الزور تنصر اللاذقية .. وكل المدن تنصر سورية ..
ويخرج اليوم رفعت الأسد معتقداً أن سدة الحكم ستنتقل من ابن أخيه السفاح إليه، فيبدو أنه لم يشبع من دماء السوريين بعد .. أقول لرفعت أسد أهلاً وسهلاً بك في سورية مرة أخرى، نبشرك بأن المجزرة باقية، وأن شهداءنا مازالوا أحياء … وأن إعدامك سيكون على أيدي الثوار في ساحة العاصي ..
