ربما كان من أكثر المواضيع المتداولة هذه الأيام تدور حول سؤال واحد، لماذا لم يسقط النظام بعد؟ وما الذي يملكه ليصمد في وجه كل هذه الهجمة الشعبية العارمة والضغط العربي والدولي المفترض، ما الذي يدفع حلفائه من روسيا وايران وحزب الله إلى التمسك به حتى النهاية ورفض فكرة التغيير جملة وتفصيلا؟
وقعت الثورة في سوريا في شهر أذار 2011، أرادت الحرية والكرامة ووصفت من العديد من المفكرين العرب والعالميين من كتاب الصحافة والفكر بأنها ثورة الأخلاق وأنها جاءت لتكمل ما بدأت به ثورات الربيع العربي لتضفي ذلك البعد الإنساني، نعم فسوريا ليست تونس وليست مصر، بل هي مزرعة حقيقة تمتلك عائلة واحدة 60 بالمئة من ثرواتها وثمانين بالمئة من الأربعين الباقية تصرف لحماية هذه العائلة.
دوما كنا نسمع ان الكثرة تغلب القوة، فلماذا كان أطراف بالمعارضة يسعون على قدم وساق لإقصاء الاخرين؟
كتب أحد الأصدقاء يوم تحولت الحرب ضد النظام إلى حرب شعواء لاسقاط الهيئة: ” المجلس الوطني يمثلني غصبن عني، وهيئة التنسيق لا تمثلني كمان غصبن عني”
أصبحت يومها هيئة التنسيق لفيف من الخونة وعملاء النظام، وصور البعض –ولنتذكر هؤلاء– أنه بمجرد سقوط الهيئة ستحل مشاكل المعارضة، وسيأتينا التدويل وأسقطت الهيئة وأسقط معها جزء كبير من داعمي الثورة ولم يسقط النظام ولم تأتي بركات مجلس الأمن أو الأمم المتحدة أوحتى الناتو من حظر جوي ولا مناطق عازلة ولا أمنة ولا حتى سحب سفير فهل لنا أن نسأل هؤلاء عن أي غباء وقصر نظر يملكون؟
من مفارقات ما حدث في أحد اجتماعات هيئة التنسيق التي لديها الكثير من الأخطاء لكنها رغم كل ذلك كانت تجمعا حقيقيا دعى إلى اسقاط النظام الأمني الاستبدادي من قلب العاصمة دمشق، دمشق التي اذا ابتعدت عن الميدان وبرزة شعرت انك بسوريا قبل أذار كله، نعم هذه حقيقة ربما تصدم الكثيرين، تلك الهيئة التي شيطنها أصحاب مفاتيح التدخل الخارجي مدعين أن سقف مطالب الهيئة أقل من سقف مطالب الشعب لماذا؟ لأنهم لم يقولوا باسقاط النظام وقالوا باسقاط النظام الامني الاستبدادي، فهل لنا أن نسأل هؤلاء بعد ان أخروجوا جهة مهمة من جهات المعارضة الداخلية، ماذا استفدنا من رفعهم السقف الواطي لهيئة التنسيق ولن نسأل عن فلسفة الفرق بين النظام والنظام الامني الاستبدادي التي اعتمدها ذوو العقول النيرة على الفضائيات للحكم على سقف الهيئة الوطي، هل لنا ان نسأل هؤلاء بعد ان أصبحوا لوحدهم يمثلون الثورة وكما يقول المثل ما صفي بالميدان غير حديدان، كم دولة في العالم استطعتم ان تؤثروا عليها؟ أبسط من ذلك، هل استطاعوا بعد كل تلك الحركات الدونكشوتية ان يفتحوا حساب مصرفي في دول اوروبا باسم المجلس أو باسم الثورة؟
المفارقة التي كنت سأذكرها ونسيت في السطور السابقة ان أحد الشبان في الحراك الداخلي والناشط جدا والمعارض لسياسة الهيئة، في أحد الإجتماعات وأمام تلفزيون الكذب الدنيا وتلفزيون النظام أنزل المايكرفون الخاص بتلفزيون فضائية النظام إلى الأرض وقال: ” أنا لا يشرفني أن أتحدث إلى هذه القناة” وأكمل مداخلته ونال نصيبه من التعذيب الوحشي على وقع هذه الحادثة، لكن: ألم تكن هذه رسالة قوية لكل مؤيدي النظام لا تقل قوة عن رفع علم الاستقلال فوق قلعة دمشق، فهل لنا ان نسأل هؤلاء هل استطاع أحد منكم ان يوصل رسالة وعبر قنوات النظام إلى كل داعمي النظام وعبر قنواتهم كما فعل هذا الشاب، كما نسألهم ألم تكن هذه الهيئة فرصة لإقامة هكذا مؤتمرات توصل الصوت للفئة الصامتة، بيضة القبان في سوريا؟
معلومات جانبية: في عام 2004 قتل 230 ألف أنسان في تسونامي الذي ضرب جزر اندونيسيا خلال ساعات
الالاف يموتون في أفريقيا بسبب الجوع والمرض حيث أن حجم الاغذية التي ترمى بالقمامة في بعض البلدان كفيلة بتقليل هذه المجاعات، حروب ابادة عرقية حصلت ولا تزال في افريقيا راح ضحيتها مئات الألوف
غزة ذبحت وقتل أطفالها على مرأى كل العالم، مجزرة قانا الاولى والثانية، فلسطين والعراق وافغانستان وغيرها وهل ما زلنا نقول أن العالم يتعاطف؟
العالم الدولي يسعى خلف مصالحه ومصالح شعوبه فوق كل درجة، في أحد المرات في قهوة النوفرة عندما كنت أتصيد سياحا لاستطيع أن اتعلم اللغة الانجليزية قال لي أمركي بينهم حاولت أن اجادله في موضوع أمريكا وعدم مصداقيتها وتحيزها وعن موقف الشعب الامريكي فقال لي: ” أتخيل ان الامريكين بالمجمل يتعاطفون مع القضايا العادلة لكنني اظن أنهم لا يتخلون عن الأيس كريم اليومي” فهمت المغزي فهو حاول أن يوضح لي الفرق بين التعاطف وبين الحاجات، فهل استطاع هؤلاء أن يجعلوا من التدخل الدولي لحماية المدنين حاجة لدى الغرب؟
إلى كل صقور المعارضة راكبي الموجة أقول أنه زمن حسابكم، إلى كل من دعا منكم للتدخل الخارجي والحظر الجوي، إلى من دعى منكم لتلك المناطق العازلة والامنة، ماذا فعلتم غير ترديد خطابات الشارع، وأين وصلت قضيتنا في حماية المدنيين، إلى كل سياسي دعى ويدعو إلى التسلح نسأل: ما هي الأليات التي عملت عليها لتسليح الجيش الحر، وهل حقا لديك معلومات عن توافق دولي لإدخال السلاح في بحار تحتلها بوراج حربية لا تستطيع حتى الأسماك ان تعبر بدون موافقتها أو عبر دول ترفض إلى الأن الاعتراف باللاجئين فكيف ستقبل بنقل السلاح؟ بماذا تردون على صحافة العالم واعلامه الذي يتحدث عن نزاعات بين نظام وتمرد مسلح في سوريا؟
بالمختصر ما هو حال ملف حماية المدنين مع الغرب وهل حقا هو ملف واقعي قابل للتطبيق؟
ماذا ستبيعوننا بعد الوهم، الأيس كريم مثلا؟
يقول فيثاغورس: اختر دائما الطريقة التي تبدو أفضل مهما كانت صعبة، فالتعود سيجعلها بعد قليل سهلة ومقبولة.
نحو سوريا حرة قوية واحدة موحدة……
View Original