بعد أن هاج أعراب الخليج وماجوا وتحركوا في كل الاتجاهات في محاولة لتحريض تحرك ما ضد سورية جاءت الردود من روسيا وإيران واضحة وصارمة.
روسيا
بالنسبة لروسيا فبعد البيانات والمواقف القوية التي صدرت عنها في الأيام الماضية صدر اليوم بيان جديد عن وزارة الخارجية الروسية هو في الواقع البيان الأقوى منذ بدء الأزمة:
http://arabic.rt.com/news_all_news/news/576311/
تدعو موسكو واشنطن الى احترام سيادة سورية والمساهمة في التسوية السياسية السلمية فيها. جاء هذا التصريح في اعقاب اللقاء الذي عقد يوم الاثنين 16 يناير/كانون الثاني بين ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي ووليام بيرنز نائب وزيرة الخارجية الأميركية.
ونقلت وزارة الخارجية الروسية ان الطرفين تبادلا وجهات النظر حول آخر التطورات في سورية حيث اكد الطرف الروسي ضرورة احترام سيادة سورية والمساهمة في التسوية السياسية السلمية للأزمة الداخلية فيها من قبل السوريين أنفسهم عن طريق وقف اعمال العنف بغض النظرعن مصدره واطلاق الحوار بين السلطات والمعارضة وفقا لمبادرة جامعة الدول العربية ودون شروط مسبقة.
الملفت في هذا البيان هو انتقاده للولايات المتحدة بشكل مباشر وأنه أتى بعد زيارة وليام بيرنز. هذا يدل على أن الموقف الروسي ضد أميركا هو الآن أقوى من أي وقت مضى، وهو ما كنا نعلمه سلفا على أي حال.
الموقف الروسي واضح وهو لن يتغير، وهذا الموقف سوف يؤثر حتما على موقف أميركا، وفي اعتقادي الشخصي أن الموقف الأميركي تأثر بالفعل. منذ صدور تقرير بعثة المراقبين العرب الأول أنا لاحظت أن الموقف الأميركي خفت وصار باهتا، وأنا أعتقد أنه سيستمر خافتا وباهتا.
كما قلت سابقا فإن تصعيد القوى الإقليمية في هذه المرحلة لا يعكس تصعيدا أميركيا بقدر ما أنه يعكس يأس هذه القوى وخوفها من انتقام سورية لاحقا.
إيران
الملفت في الآونة الأخيرة أن إيران لم تعد توجه رسائلها إلى أميركا وتركيا فقط وإنما بدأت بتوجيه الرسائل بشكل مباشر إلى الخليجيين. اليوم إيران سلمت رسالة إلى السفير القطري في طهران، ومضمون هذه الرسالة معروف وليس بحاجة لتخمين. من المؤكد أنها رسالة تحذير شديدة اللهجة.
أما الرسالة الأكثر لفتا فكانت تلك التي وجهها مسؤول في الحرس الثوري الإيراني إلى موقع “العربية”:
http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/syria-arab-pb-5531146.htm
هذا وأكد الحرس الثوري الإيراني أنه لم يتدخل حتى الآن في شؤون سوريا الداخلية، في إشارة إلى تقارير أمريكية تحدثت عن تورط فيلق القدس التابع للحرس الثوري بقيادة الجنرال قاسم سليماني بتزويد سوريا بأسلحة للمساعدة على قمع الاحتجاجات ضد نظام الرئيس بشار الأسد.
وأبلغ مصدر في الحرس الثوري طلب عدم الكشف عن اسمه لـ”العربية” رداً على تلك التقارير أن إيران تعتبر ما يجري في سوريا شأناً داخلياً لكنها ملتزمة في الوقت نفسه باتفاقية دفاعية معها وأنها لن تترك سوريا لوحدها في حال تعرضها لاعتداء خارجي مضيفا “نحن نرى حتى الساعة أن الوضع في سوريا جيد” مشيرا إلى اتصالات سورية إيرانية لتقييم الأوضاع هناك وقال “على الأقل فإن إخواننا في سوريا يقولون إن الأمور جيدة وهم يتوقعون الحسم في غضون شهرين”.
هذه الرسالة لافتة جدا بسبب مصدرها ومستقبلها. المصدر هو الحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر، والمستقبل هو قناة “العربية” التي تعتبر رأس الحربة للإعلام الوهابي السعودي (والتي كانت في الفترة الأخيرة تعيش حالة هياج غير مسبوقة).
طبعا نص الرسالة واضح وليس بحاجة لشرح أو تعليق.
من المؤكد أن نفس الرسالة وصلت أيضا إلى داود أوغلو، وفي الحقيقة أن هذه الرسائل وأشباهها كانت السبب الرئيسي وراء فتور همة تركيا عن التدخل في سورية.
مصر
الموقف المصري ما زال متذبذبا. اليوم صرح نبيل العربي بما يلي:
http://www.tayyar.org/Tayyar/News/PoliticalNews/ar-LB/syria-arab-pb-5531146.htm
قال الدكتور نبيل العربي الأمين العام للجامعة العربية اليوم الاثنين إن الظروف لا تسمح بتطبيق سيناريو ما حدث في كوسوفو أو ليبيا على الوضع في سوريا، وذلك في رد ضمني على الدعوات التي ترددت أخيراً عن إرسال قوات عربية إلى سوريا.
تصريحات العربي تأتي قبل أيام من اجتماع مرتقب لمجلس الجامعة العربية لمناقشة تقرير المراقبين العرب لسوريا.
أظن أن موقف مصر الحالي هو كما قلت سابقا، أي أن مصر سوف تستمر في دعم المبادرة العربية ولكنها لن تساعد في رفع العقوبات عن سورية، وتفسير هذا الموقف هو كما بينته سابقا. مصر تعتبر أن العقوبات المفروضة على سورية حاليا هي انتقام لما تعرضت له هي بعد توقيعها اتفاقية كامب دافيد. قي تلك الفترة كانت سورية في طليعة الدول التي هاجمت مصر، والجامعة العربية قامت وقتها بتعليق عضوية مصر وتم نقل مقر الجامعة من القاهرة إلى تونس. مصر الآن تتصور أنها تنتقم من سورية عن تلك الحقبة، وهذا طبعا منطق سقيم لأن مصر عوقبت وقتها بسبب التحاقها بمعسكر أميركا وإسرائيل أما سورية فهي تعاقب الآن لرفضها الالتحاق بهذا المعسكر.
الرد السوري الوحيد الفعال على استمرار العقوبات العربية هو –كما قلت سابقا- بإنشاء منظمة جديدة تضم سورية والعراق ويكون هدفها العمل بجدية على توحيد البلدين. إذا قامت هكذا منظمة فأنا أظن أن الجامعة العربية سوف تنتهي وتصبح من التاريخ (لأن هذه الجامعة أنشئت أصلا لمنع الوحدة السورية-العراقية وفي حال قامت هذه الوحدة فالجامعة العربية ستفقد مبرر وجودها).
السؤال هو هل هذا السيناريو من مصلحة النظام السوري؟ لا أظن ذلك. حكام سورية تاريخيا كانوا من أشد أنصار الجامعة العربية لأنهم كانوا لا يريدون الوحدة العربية (بغض النظر عن مزاعمهم)، وحاليا أظن أن موقف حكام سورية لم يتغير وبالتالي مصلحتهم هي العودة إلى الجامعة العربية والاستمرار في لعبة تضليل الشعوب.
أميركا وإيران
تحدثت سابقا بالتفصيل في تدوينة بعنوان “هل اقتربت النهاية؟” عن أن تصاعد التوتر في المنطقة سوف يقود في النهاية إلى حل سواء كان هذا الحل سلميا أم حربيا، وأنا رجحت طبعا الحل السلمي لأسباب ذكرتها في تلك التدوينة.
حاليا هناك إشارات مهمة يجب أن نلاحظها:
- أولا إلغاء المناورات الأميركية-الإسرائيلية
- ثانيا الانخفاض الواضح في لهجة أميركا تجاه إيران وسورية
- ثالثا ما قيل عن تبادل رسائل بين أميركا وإيران
- رابعا المخاوف التي أبدتها قناة الجزيرة من وجود مفاوضات سرية أميركية-إيرانية
هذه المؤشرات وغيرها تؤكد ما ذهبت إليه سابقا من أن الحل قد اقترب. أميركا لا مصلحة لها في الصدام العسكري مع إيران، وبالتالي هناك احتمال جدي حاليا للتوصل إلى صفقة أميركية-إيرانية حول المنطقة. هذه الصفقة سوف تكون حتما على حساب الخليجيين والأتراك وليس على حساب سورية لأن أميركا هي المتراجعة أما إيران فهي في موضع تقدم، وبالتالي هذا يفسر ذعر قناة الجزيرة من المفاوضات السرية الأميركية-الإيرانية والاستعجال المحموم لأعراب الخليج لفعل شيء ما ضد سورية. أعراب الخليج يدركون أن النهاية اقتربت ويدركون أن التسوية سوف تكون على حسابهم ولذلك هم يصعدون بكل قوتهم على أمل تحقيق شيء ما ضد سورية. أمير قطر بالذات خائف من الانتقام السوري لأن الانتقام السوري من قطر سوف يكون مدمرا.
سورية (وأصدقاؤها في الدول العربية) قادرون على تلطيخ سمعة قطر إعلاميا في العالم العربي، وهذا ما بدأ يحدث الآن بالفعل. أيضا سورية قادرة على عزل قطر دبلوماسيا وتحجيم دورها في العالم العربي، وبالتالي قطر ستخسر كل ما بنته طوال السنوات الماضية. لهذا السبب نرى أن أمير قطر مذعور ولا يعرف ماذا يفعل لإسقاط النظام السوري.
طبعا ما سيحدث في النهاية في رأيي هو أن قطر ستضطر للتصالح مع سورية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والمصالحة مع سورية سوف تستلزم من قطر دفع مبالغ مالية كبيرة لسورية. هذا السيناريو هو الكابوس الخليجي، أي أن يضطروا لتقديم أموال إلى نظام لا ينتمي إلى خطهم السياسي بل إلى الخط المعاكس، خاصة بعد كل ما حدث في الأشهر الماضية.

View Original