A Alh
—————–
كنا في المقال السابق قد ناقشنا السيناريو العراقي ، و الذي مآله التفكك و الخراب ، و يعزو المتخوفين من تكرار هذا السيناريو في سوريا، كل ما حصل في العراق إلى حل الجيش العراقي بالقرار الذي أصدره بول بريمر، حيث تعالت الأصوات لاحقاً إلى اعتبار كل الخراب الذي حصل بسبب غياب الجيش العراقي.
و يمكننا تفنيد هذا الكلام كما يلي :
- إن قرار حل المؤسسة العسكرية العراقية كان تكريساً لواقع حقيقي على الأرض، و ذلك بعد الهزيمة الساحقة في حرب 2003 .
- إن تركيبة للجيش العراقي المهزوم , كانت في حال استدعائها ستضيف طرفاً في الحرب الأهلية ، وليس جهة ضامنة للسلم الأهلي .
- إن النتائج التي وصلت إليها الدولة العراقية الآن هي بشكل أساسي ناتجة عن امتناع الشعب العراقي عن الوقوف بوجه الطاغية صدام حسين ، للتخلص من نظامه مما قاد إلى سلسلة الحروب و المآسي المتتالية، و جر البلاد للوقوع في النهاية تحت براثن الاحتلال الأمريكي ، إن الخوف الذي سكن نفوس العراقيين يمكن تفهمه و لا يمكن تبريره و لا يمكن إلا اتهام الشعب ككل بالتقصير في العمل دون الوصول ببلدهم إلى هذه النقطة، إن تكلفة أي ثورة تؤدي بالقضاء على نظام صدام حسين ،سيكون بالتأكيد أرخص من النتائج التي دفعها و يدفعها الشعب العراقي بسبب ابتعاده عن المطالبة بحقوقه ، و هذا ينطبق على الشأن السوري حيث أن تكلفة الوقوف بوجه الطاغية الأب على شكل ثورة عامة في سوريا كان بالتأكيد أرخص من ترك مدينة واحدة تدفع ضريبة الدم و تترك ليعيث فيها الطاغية القتل و التدمير.
- إن الاتجاه الذي سلكته العملية السياسية في العراق ، بإظهار مكون أساسي هو الطائفة السنية كخاسرة ، وتكريس السيطرة الكاملة على التشكيلات العراقية الجديدة إلى الطرف الشيعي، والذي قام بتسخير كل موارد الدولة العراقية في الحرب الطائفية التالية ، هو التهديد الأكبر الذي يجب أن نواجهه بحزم في الدولة السورية الجديدة ، لقد وقع حكام العراق الجدد في نفس أخطاء صدام حسين حين ابتعدوا عن تحقيق العدالة و مارسوا الظلم بمجرد وصولهم للسلطة ، كأنهم تحولوا إلى نسخ سيئة التقليد لصدام حسين ، مع فارق أن ظلم الديكتاتور كان يعم الجميع دون استثناء.
- إن الانفجار الذي حصل في المجتمع العراقي بعد سقوط النظام ، كان تالياً للسنين الطويلة من الكبت و الظلم بكافة أشكاله ، لقد كان جيش صدام حسين يتحكم بالقتل و بدرجة بشاعته ، لقد احتكر الجريمة في المجتمع ، و غذّى الغرائز التي تداعت بعد زواله لتحول البلاد إلى الحفلة الكاملة من الجنون والتي كانت مؤجلة و كانت تنتظر اللحظة المناسبة فقط.
- إن الطريق الصحي الذي سلكه الشعب السوري للتخلص من النظام، عبر الوقوف في وجه الظلم بثورة عظيمة، كان الاسلوب الصحي لتجنب حفلة الموت الجنونية المماثلة لما حصل في العراق.
- إن الجهة التي تتهم الجيش السوري بالخيانة (وتعني خيانة دوره بحماية الشعب )هي نفس الشعب السوري و بكل طوائفه ، حيث لا يمكن لهذه الجماهير أن تتقبل مرة أخرى العمل ضمن التشكيلات الحالية الموسومة بأسوأ الصفات .
- ما تقوم الثورة السورية اليوم بالمطالبة به هو معاقبة المجرمين من أي طائفة كانوا ، فالإجرام لا طائفة له ، كما أن استمرار الجيش السوري بتركيبته الحالية ، هو الدافع الأساسي لأي حرب أهلية قادمة في سوريا.
- إن الجيش السوري الحالي أعجز من أن يواجه الجيش الأردني ، وليس الإسرائيلي ، لقد صمم هذا الجيش و بهذه البنية لمحاربة المدنيين العزل، و فقط العزل ، لذلك نراه اليوم عاجزاً عن الوقوف بوجه الضربات المؤلمة للجيش الحر الذي يكاد لا يتسلح إلا ببعض الطلقات و الأسلحة الفردية.
- إن كل أفراد الشعب السوري يرفضون التدخل البري لأي قوة غير سورية , و أقصى ما يطالبون به هو الضربات الجوية لمواقع التحكم و السيطرة المتمثلة بالأجهزة الأمنية ومقرات القيادة للقوات المستعملة في التنكيل بالمواطنين السوريين .
هذا بعض ما يمكننا من القول في هذا الشأن و نتقبل النقد و الأفكار المخالفة بكل صدرٍ رحب ، طالما التزمت الأدب، و ابتعدت عن تحويل الموضوع عن وجهته الحقيقية كقضية تهم المجتمع السوري كاملاً إلى انتقاد لبعض الهفوات هنا وهناك والتي تصاحب أي جهدٍ بشري.
بوركتم وطبتم عسى أن يجعلكم الله من الصالحين و يورثكم الأرض انه عزيز حكيم
يتبع…….

View Original