————————————-
جلس يستحضر ذكريات المطر كيف هي أصواته دافئة رغم برودة أوقاته… حركات أرجل المارة وهي تخطو بسرعة تحسباً من البلل بينما الغيوم تتلبد فوقهم، فينتشر في السماء فجأة ضوء يسرق الأنظار، ثم يسمع صوت رعد يدوي في الأرجاء، وبعدها يسود صمت تكسره مداخن المدافئ وهي تنفث دخاناً غريباً في برودة الجو، ثم ما إن تتساقط طلائع قطرات المطر حتى تبدأ أصوات نقراتها تبرز في صمت اللحظة من على بركات الماء المتجمعة والأسطح ونوافذ الشبابيك فتحي الأرض والنفس…
في ذات الوقت كانت النيران تنفلت من فوهة بعيدة، و تتبعها رشقات نيران أخرى من فوهات غير ذلك المدفع… المنظر مشابه لحادثة المطر، نيران انفجارات بعيدة تتبعها مباشرة شهقة الموت بفعل انزلاق القذائف في طبقات الهواء صمت سريع جداً على مسمع المراقب بينما هو يختزل ذكريات عمر إنسان عاش ليحمي كرامته من تدنيس الزمان وقهر الرجال… وفجأة عناق الموت بإنفجار هائل ونحيب… تطابق تطور الأصوات بين السماء والمدافع غريب، ضوء فدوي فصمت ثم نقرات حياة أو تكسرات موت…
ورغم أن القنابل تنهمر على الحي كزخات المطر، جلس يراقب الأبنية من حوله وهي تتهدم وتنحني معها قامات بعض الأحرار ألماً لترقد على الأرض بسلام بينما روحهم تسمو في السماء…
أما الابتسامة فلم تغادر وجهه رغم عينيه الماطرتين وقد أعلنها تحدياً أنه باقٍ هنا ولن يتحرك، فله جذور ضاربة في الأرض هنا كما هي الأشجار ثابتة في مكانها، ويمزج أصوات اللحظة بصوته الشجاع “هنا أرضي… هنا الزمان صمت وتكلمت عنه ساعة حمص”…
View Original
