لا أريد أن أتحدث عن نشاطات حمد وسعود لأنها بالنسبة لي لم تعد مجرد تنطيح وإنما صارت أشبه بالمسرحية الهزلية، ولذلك هي لا تستحق الحديث عنها أو التعليق عليها.
تصريحات ونشاطات ألان جوبيه الأخيرة لا تعبر عن موقف جدي وإنما هي مجرد مواقف مأجورة ومدفوعة الثمن من قطر والسعودية، ومثل هذه النشاطات لا قيمة لها ولا تستحق التعليق عليها. أصلا جوبيه لم يبق له إلا شهران فقط في السلطة وبعد ذلك سيرحل وربما يرحل معه ساركوزي أيضا.
أما أميركا فهي الآن دخلت في مواجهة شبه مفتوحة مع حمد سعود. قبل يومين تحدث رئيس المخابرات الأميركية عن اختراق تنظيم القاعدة للمعارضة السورية وعن أن المعارضة السورية مشرذمة وفاشلة، واليوم كرر وزير الدفاع الأميركي نفس الكلام.
هذه المواقف الأميركية في هذا التوقيت ليست صدفة. هي تأتي في نفس سياق التسريبات التي نشرها موقع دبكا وغيره من وسائل الإعلام الغربية. أيضا التصريحات العراقية الأخيرة عن تسرب القاعدة إلى سورية ربما تكون باتفاق مع أميركا.
موقع دبكا غير نهجه تماما وصار الآن يؤيد النظام السوري. أنا للأسف لم أدخل منذ فترة إلى موقع جوشوا لانديز ولكنني لا أستبعد أن يكون هذا الموقع وأمثاله قد غيروا هم أيضا موقفهم.
هناك تغير شامل في الموقف الأميركي بدأت بوادره منذ أشهر ووصل إلى ذروته في رأيي بعد صدور تقرير الدابي. خطبة كلينتون في مجلس الأمن كانت بعيدة جدا عن خطبة حمد ونبيل العربي وكان من الواضح أن كلينتون تغرد في سرب آخر.
جوبيه المسكين يحاول الآن إرضاء حمد وسعود، ولكنني لاحظت أنه قبل التوجه إلى الجمعية العامة أقر بأن قرار الجمعية العامة هو قرار “رمزي”، وكأنه كان يهيء حمد وسعود نفسيا حتى لا يصابا بالإحباط بعد ذلك.
الآن قنوات حمد وسعود منشغلة برسم الخرائط لسورية والشرح للمشاهدين عن كيفية “شق” الممرات الإنسانية، ولكنني واثق من أن هذه الممرات لن تشق.
تركيا رفضت شق الممرات الإنسانية من حدودها وقالت أن الأفضل شقها عبر البحر من قبرص (شيء مضحك)، وجوبيه الآن يقول أنه يبحث موضوع شق الممرات مع روسيا، ولكنني لا أظن أن هذه المباحثات جدية وهي في رأيي تهدف فقط لامتصاص ضغط حمد وسعود.
أميركا الآن مذعورة من خطط حمد وسعود لتسليح “المعارضة السورية”، ولهذا السبب رأينا أن رئيس الاستخبارات الأميركية هاجم المعارضة السورية وتبعه وزير الدفاع الأميركي. هذه التصريحات ليست بسيطة لا في توقيتها ولا مضمونها ولا الأشخاص المطلقين لها. ما يلي جزء من كلام وزير الدفاع الأميركي:
ونقلت وكالة (يونايتد برس انترناشونال) الأمريكية عن بانيتا قوله انه “في حين تركز الولايات المتحدة على ممارسة ضغوط دبلوماسية واقتصادية على الحكومة السورية، فإن محاولة تنظيم القاعدة إيجاد موطئ قدم لها في سورية مثير للقلق، مضيفاً أن “مدى انخراط القاعدة في قوى المعارضة السورية غير واضح ويبقى أن نعرف ما هو دورها بالتحديد وما أهميته، ولكن مجرد أنها موجودة هناك يثير قلقنا”.
هذا الكلام موجه لحمد وسعود للضغط عليهما لإلغاء خططهما الإرهابية في سورية. حمد وسعود يعدان منذ فترة لتحويل سورية إلى أفغانستان سوفييتية جديدة، وأميركا مذعورة من هذا السيناريو لأنه سوف يجر المنطقة إلى حرب شاملة لا تريدها أميركا.
أنا في رأيي أن مؤتمر أصدقاء سورية لن يؤدي إلى شيء عملي، وفي حال قرر حمد وسعود تصعيد دعمهما للإرهاب فمن الواضح أن أميركا ستتدخل للجمهما.
أصلا حتى لو أراد حمد وسعود إدخال السلاح إلى الإرهابين فإنهما لا يملكان منفذا لذلك. تركيا لا تجرؤ على فتح حدودها لنقل السلاح بشكل مكثف، ولهذا السبب قالت لحمد وسعود أن يدخلا الأسلحة من البحر عبر قبرص (ضحكة للمرة الثانية). الأردن أيضا لا يجرؤ على مثل هذا السيناريو.
بعد شهرين سوف تتغير الموازين الدولية، خاصة إن رحل النظام الفرنسي الحالي وأتى نظام جديد.
بالنسبة للوضع الداخلي فهو سوف يستقر بشرط واحد وهو تطبيق الدستور الجديد بشكل جدي وصادق، وأنا أعتقد أن الأسد جاد في تطبيقه لأنه ليس من السذاجة بحيث يظن أن بإمكانه “الحسم العسكري” وإعادة الأمور إلى الوراء. أصلا من قراءة نصوص الدستور يتبين أن من وضعه كان يفكر جديا في تطبيقه.
في العراق قبل خمس سنوات كان تنظيم القاعدة يسيطر على مساحات شاسعة من البلاد ويحظى بدعم سكانها، وبعد سيطرة الحكومة العراقية على تلك المناطق لم يختف تنظيم القاعدة بل ظل موجودا ويقوم بعمليات بين الفينة والأخرى. أنا أتوقع نفس السيناريو في سورية. سيطرة الحكومة على حمص لن تنهي المعارضة بل هي ستظل موجودة وتقوم بعمليات متفرقة بين الفينة والأخرى، ولكن طبيعة العمليات ستختلف حيث أن المعارضة بعد فقدانها السيطرة على الأرض سوف تحاول أن تلجأ للعمليات الصاخبة إعلاميا (كما يفعل تنظيم القاعدة في العراق).
في بداية الأحداث الحالية كان ربما 80% من السوريين حانقين على النظام السوري. النظام السوري تصرف بشكل حصيف ونجح في جذب الوسطيين تدريجيا إلى صفه حتى تمكن الآن من عزل المعارضة التي أصبحت أقلية واضحة. هذه الاستراتيجية تعلمها بشار الأسد من والده وكما نجح حافظ الأسد في تطبيقها في السبعينات فإن بشار الأسد نجح في تطبيقها الآن وبشكل أسرع بكثير من التجربة السابقة.
أنا كنت أدرك منذ الأسبوع الأول للأزمة أن بشار يسير على خطى والده، ولكن ما كان يخيفني هو سيناريو ما بعد قمع المتمردين. هل سوف يقلد بشار الأسد والده في هذا السيناريو أيضا؟ أنا بصراحة أستبعد ذلك وأنا استمعت لخطابات بشار وقرأت دستوره ولم أجد ما يوحي بأنه يريد تكرار سيناريو والده المميت.
الدستور الجديد جيد. أنا لدي ملاحظات عليه وخاصة المادة الثالثة التي هي في رأيي كقطرة السم التي من شأنها إفساد كل الطبخة، ولكن رغم ذلك فإن الدستور جيد وفيه نزعة واضحة للمساواة egalitarianism، وفيه أيضا تأثر واضح بالأيديولوجيا الأميركية إلى درجة أن كتابه قاموا بقص ولصق بعض العبارات حرفيا من الأدبيات الأميركية (مثلا عبارة “من الشعب وبالشعب وللشعب” التي أخذوها من خطبة أبراهام لينكولن الشهيرة في Gettysburg بعد أن بطش بالمتمردين الجنوبيين). ربما يكون بشار الأسد يرى نفسه كأبراهام لينكولن، وفي الحقيقة هناك تشابه كبير بين المثالين لأن أبراهام لينكولن عندما ووجه بانفصال الولايات الجنوبية لم يختر التنازل لمطالب الجنوبيين وإنما اعتبرهم متمردين وخارجين على القانون وشن عليهم حربا دموية من أشرس الحروب الأهلية في التاريخ. الحرب السورية الحالية تعتبر لا شيء مقابل حرب لينكولن على الجنوب الأميركي.
معضلة الإنترنت
من الأمور المحيرة التي تجعلني أشك في إصلاحات النظام السوري هو موضوع الإنترنت. ما زالت في سورية كثير من مواقع الإنترنت محجوبة حتى الآن ورغم الحديث عن التغيير.
ما هي الحكمة من حجب صحيفة “الشرق الأوسط” و”القدس العربي” وغيرهما من وسائل الإعلام النفطية والغربية؟ هل حجب الصحف هو أمر يتفق مع حرية التعبير؟
في سورية لا يمكن فتح أي موقع إسرائيلي على الإطلاق مهما كان نوعه، حتى لو كان صحيفة أو موقعا للمعلومات. هل إسرائيل تحجب مواقع الصحف السورية؟ أنا لم أسأل عن هذا الموضوع ولكنني بدون أن أسأل أستبعد أن تكون إسرائيل تحجب الصحف السورية.
إذا كانت عقلية النظام السوري قد تغيرت بالفعل فهو يجب أن يزيل الحجب تماما عن كل الصحف ومواقع الأخبار والمعلومات. حتى لو كانت هذه الصحف صهيونية أو نفطية أو غربية.
أنا لا أدري أصلا من هو الذي يتخذ قرارات حجب المواقع في سورية وعلى أي أساس. المفترض في الدول التي يحكمها القانون أن يكون حجب المواقع على أساس القانون وبأمر قضائي، أما في سورية فأنا لا أظن أن القضاء له أي دخل في حجب المواقع. من يحجب المواقع في سورية هي المخابرات، وهذا أمر يناقض تماما الحديث عن الإصلاح والتغيير والقوننة والمأسسة.
أنا لا يمكنني أن أثق بجدية النظام السوري في الإصلاح إلا عندما أرى أن القيود عن الصحف ومصادر المعلومات قد أزيلت تماما. أما الاستمرار في سياسة قمع الصحف التي لا يعجب كلامها السلطات فهذا يعني أننا سوف نعود إلى المربع الأول إن عاجلا أم آجلا، والعودة للمربع الأول هي أمر خطير لأنها تعني أن المرض سينكس وأن الثورة ستشتعل من جديد.

View Original