Quantcast
Channel: 优发娱乐wwwyoufa8|优发娱乐平台|优优发娱乐pt客户端下载
Viewing all articles
Browse latest Browse all 18262

المُندسّة السورية: كنت في سورية..ودمشق بخير (الأخيرة: كلاي في دمشق)

$
0
0

كنت في سورية..ودمشق بخير (1 / 5)
كنت في سورية..ودمشق بخير (2- الدرس الليبي)
كنت في سورية..ودمشق بخير (3- مدينة نظيفة)
كنت في سورية..ودمشق بخير (4- اعتصام دمشق)

يعيد النظر في الساعة..ستون ثانية تفصله عن الموعد الحاسم.. يجيل النظر فيما حوله.. مركز المدينة يعج بالحركة، لكنه يفلح في تمييز بعض الوجوه، ترقُّب، نظرٌ متكرر في الساعات، ورسائل جوال متتابعة، نعم لا مجال للشك، هم بالانتظار أيضاً.. تمر الثواني الأخيرة ببطءٍ قاتل.. ثلاثة..إثنان..واحد.. ينطلق صوت التكبير، يتوقف الزمن للحظة، ومن بين النظرات الذاهلة يبرز بضع عشرات من الشباب يهتفون بتحدٍ: “حرية للأبد..غصبن عنك يا أسد”.. تمر المجموعة بجانب وكالة الأنباء السورية سانا، تقترب من نقطة التقاطع المجاورة، وقبل خطوات يتحول لون الإشارة الضوئية إلى الأخضر، ها نحن نقترب، يقطعون الشارع بشموخ، يلمح صاحبَ الكشك على الزاوية وهو يتحدث على هاتفه باضطراب، نافذة الوقت تضيق، يتسلل شيء من القلق إلى نفسه لكن امرأة مارةً بجوارهم تلتفت إليه وكأنها أدركت ما يعتمل في نفسه:”الله يحميكن يا ابني”، قالتها بحنان وفخر، وعاد يهتف في يقين: “الله أكبر”.. نقطة النهاية باتت على مرمى النظر، قوات الأمن تصل بعد لحظات لكن.. لم يكن هناك أحد..
المظاهرة التي لم تدم أكثر من دقائق استغرق الإعداد لها أياماً لتحديد المسار ودراسة الموقع وقياس الوقت الذي ستستغرقه كل مرحلة، كان التخطيط قد شمل أدق التفاصيل وصولا إلى توقيت الإشارة الضوئية وتوحيد الساعات على قناة العربية قبل الخروج. بضع عشرات من ثلاث من تنسيقيات دمشق كانوا كافين لهز هيبة النظام في قلب العاصمة ورفع كلفة الضبط الأمني للمدينة.

* * *

على امتداد الأشهر العشرة الماضية تكيف شباب المدينة مع الضغط الأمني وبنوا شبكات حركية على درجة عالية من التنظيم والانضباط، وكانت الضربات التي تمكن النظام من توجيهها لهذه البنى عاملاً ساعدها على تدارك الأخطاء وتطوير العمل حتى باتت بعض التنسيقيات وتجمعات الناشطين أشبه بحكومات مصغرة تخطط للأنشطة الثورية وتدير شؤون الأحياء وتتواصل مع الناس من خلال شبكات اجتماعية معقدة بحيث لا يكاد يغيب عنها شيء مما يجري في محيطها. ذهبت مرة لمظاهرة في كفرسوسة مع أحد شباب الحي، وحين انتهينا خرج بي في طرق وحارات متعرجة لتجاوز كمائن الأمن التي تترصد الشباب عادة في محيط المنطقة لاعتقالهم. بعد بلوغنا نقطة آمنة علمنا بأنه قبل انصرافنا بدقائق خرج مجموعة من الشباب في إحدى الحارات القريبة من المراكز الأمنية في مظاهرة طيارة أشعلوا فيها الألعاب النارية ونثروا المنشورات في الشارع، وبمجرد ظهور الأمن تفرقوا كل من جهة كما ظهروا ولم يتمكن الأمن من القبض على أي منهم، بينما كانت الجلَبَة التي تسببوا بها كافية لتأمين خروج المتظاهرين حيث كنا. في المقابل لا زال البعض يعتمد في عمله مبدأ الارتجال والشجاعة المتهورة، وفي أثناء وجودي في دمشق خرجت عدة مظاهرات لم يُتم فيها المتظاهرون التكبيرة الثانية قبل أن تنقض عليهم عصابات النظام وتعتقلهم، وخسرنا بسبب سوء التنسيق عشرات الشباب والفتيات دون مقابل.

* * *

Float like a butterfly, sting like a bee.
His hands can’t hit what his eyes can’t see
-Mohammad Ali

“حلق كفراشة والسع كنحلة”..شعار المعركة في دمشق.. هي معركة حنكة وذكاء بقدر ما هي معركة تضحية وشجاعة، فحين تواجه وحشا كاسرا في عقر داره يمكنك أن تشتبك معه بشكل مباشر، وقد تفلح في القضاء عليه، لكن احتمالات نجاحك ضعيفة جداً. إلا أن مقاربة أخرى قد توصلك إلى مبتغاك، استدراج الخصم إلى مساحات لم يعتد التحرك فيها، إيلامه بضربات صغيرة ومتتابعة تأتيه من حيث لا يتوقع، إنهاكه في محاولة الإمساك بك، ثم في اللحظة المناسبة: تُوجه له الضربة القاضية.

قبل أيام تابعنا بنشوة مظاهرة المزة، أسفرت دمشق حينها عن وجهها الجميل، وأثبتت للجميع أنها مشتاقة للثورة شوق الأرض العطشى لماء المطر، وأنها مستعدة لبذل الثمن حين يحين الوقت، لكن ذلك لا ينبغي أن يوهمنا بأن تكرار مظاهراتٍ من هذا الحجم والتصعيدَ وصولاً إلى تحرير المدينة أو التحركِ نحو القصر الجمهوري أمر ممكن. نعم، لا بد من تكرار ما حصل كلما سنحت الفرصة، لكن التعويل على ذلك وحده خطأ فادح.

ابتلاء دمشق ونعمتها في آنٍ يكمنان في أن النظام لا يستطيع المغامرة بترك أيٍ من مظاهر الثورة يفرض وجوده فيها ويتحول إلى حالة شعبية يستحيل عليه ضبطها لاحقاً، حتى لو كان هذا المظهر منشورا بحجم إصبع اليد أو شعارا على حائط في حارة صغيرة، والنشاطات التي يراها البعض رمزية أو حتى سخيفة هي ذات تكلفة باهظة للنظام الذي يحرص على إخفاء ضعف سيطرته المتزايد على المدينة. عصابات الأمن في دمشق منهكون، أكثرهم لم ير أهله منذ أشهر، هم في استنفار دائم، مرة لقمع مظاهرة هنا، وأخرى لمسح شعارات هناك، وثالثة تحسبا لتحرك مفاجئ في منطقة أخرى. المنشورات الصغيرة التي تنثر في المظاهرات ولا يلحظها أغلب المتابعين يُجبَر الشبيحة على لمها واحدة واحدة حتى لا يتركوا لها أثراً، حتى أن بعض الظرفاء بدأ يضع على بعضها بدلا من شعارات الثورة عبارة “لمْ يا حمار” “لمْ يا حمار” :) .

* * *

في معركة بدر سأل حباب بن المنذر: يا رسول الله أرأيت هذا المنزل، أمنزل أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولانتأخر عنه، أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فأجاب الحبيب: بل هو الرأي والحرب والمكيدة. قال: فإن هذا ليس بمنزل، فانهض حتى نأتي أدنى قليب القوم فننزله ثم نغور ما سواه من القلب (الآبار)، ثم نبني حوضاً فنملأه ثم نقاتل فنشرب ولا يشربون. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أشرت بالرأي. ومن يتابع السيرة النبوية سيرى بوضوح أن رسول الله وهو يرقب مكة على مدى سنوات كان يعمل بشكل متواصل على إضعاف الكيان المسيطر عليها، ونوَّعَ في الوسائل المستخدمة ما بين اقتصاد وسياسة وإعلام ومواجهة مسلحة، بينما لم يهمل خلال ذلك بناء كيان المدينة وتطويره، حتى كان الفتح.

إسقاط النظام بالمواجهة المباشرة لا زال مبكراً، خاصة مع تكالب العالم على الثورة، فإما مُعادٍ صريح لها، أو آخر يحاول جاهداً تسخيرها لخدمة مصالحه. نعم لا زال مبكراً، لكن النظام في ذات الوقت أصابه الوهن وعشرة أشهر من النضال والتضحيات آتت أكلها كما لم يكن أحد ليحلم، وكل جهد لاستنزاف قوة النظام ونخر بنيانه يجعل لحظة الانهيار أقرب. المعادلة مؤلمة لكنها بسيطة، الحراك أنجز هدفه في تحويل الثورة إلى تيار شعبي عام وجارف، وكل ما يجري الآن على امتداد البلاد قيمته في الحساب العقلي البارد والمجرد وبرغم كل الآلام والمآسي هي في رفع التكلفة على النظام وإنهاكه حتى يصل إلى نقطة يصبح فيها بمقدور الشعب إزاحته، والمخطِّط الذكي يدرس أرض المعركة بتمعن ويستخدم في كل نقطة الورقة الأكثر فاعلية. فبينما قد تكون المظاهرات هي الأنجع في مكان ما، تبدو العمليات العسكرية أكثر ملاءمة في غيره، وتتميز آليات العصيان في ثالث، واختلاف الآليات المستخدمة قد يتجاوز حدود المناطق ليكون حتى على مستوى الأحياء في بعض الأحيان. والحديث عن تخفيف منطقة عن أخرى يكون بتكثيف الآليات المؤثرة في كل منها بدلا من النداءات الحالمة لتحركات لا مجال لتحققها.

في دمشق يبدو الشكلُ الأمثل في ما أميل إلى وصفه بـحرب عصابات “مدنية”، إشعال حرائق صغيرة – مجازياً- على امتداد المدينة وتوجيه ضربات محسوبة ومركزة تقوم بها قوى صغيرة ومنتشرة جغرافيا بحيث تستنزف النظام وتبقيه دوما في حال تحفز واستنفار، وكلما ضعفت سيطرته تطوَّرَ حجمُ تلك القوى وطبيعة عملياتها، حتى إذا كانت اللحظة الحاسمة أحكمت قبضتها عليه وسحقته بلا رحمة. المظاهرات حالة تشبه الإدمان (ومن ذاق عرف) وبينما تبقى هي الآليةَ الأهم للشحن المعنوي وكسر حاجز الخوف فإن الاستنزاف بشكله المطلوب يعتمد على التركيز على الآليات الأخرى الأكثر إبداعا وتكلفة للنظام وعلى تطويرها بشكل مستمر. ولا ينبغي هنا إغفال أهمية دعم الحراك في المناطق الأخرى ومده بما يلزم من احتياجات طبية ومعيشية ومعلوماتية، وقد نشأت لذلك شبكات معقدة يسهم فيها الرجال والنساء والأطفال وتعتمد آليات دقيقة لتغطية وضعها الأمني. ما يتوفر لدمشق من إمكانيات كعاصمة وتحدر جزء كبير من سكانها من مختلف محافظات القطر يجعل لها دورا لوجستيا مهما ينبغي الحرص على رفع فعاليته والاستفادة من كمونه إلى أقصى درجة ممكنة .

* * *

بعد انتهاء جولتي في دمشق سألني الأخ الذي كان يرافقني إن كنت أود زيارة مكان آخر فأجبته: لم يبق إلا حمص. حين يحدثك الدمشقيون عن حمص تلمح في أعينهم خشوعا وغبطة عظيمة لأهلها، يحدثونك عن بقعة لا تنتمي لهذا العالم، عن مشهد من عصر الصحابة يحيا في القرن الحادي والعشرين، وحق لهم أن يغبطوهم، فعمق التغيير الذي تحدثه المحن أكبر من أن يقدر بثمن وهو يستحق كل التضحيات مهما بدت جسيمة ومكلفة. قدر سورية أن تستكمل تجربة الحرية إلى أقصاها، ولا يمكن للثورة أن تنتصر قبل بلوغ التغيير النصاب المطلوب.. دمشق بدأت تقترب من ذلك النصاب وعلى الجميع أن يساعدوها في ذلك. هي الآن بركان متوتر ينتظر لحظة الانفجار، لحظةٌ ستكون مفاجئة كما هو سقوط النظام، وانفجارٌ سيكون حاسما وسريعا لا يدري أحد كيف بدأ وكيف انتهى، أو سيتحول إلى ملحمة تاريخية تخطها دمشق وريفها بما لا يشبه شيئا مما شهدنا حتى اليوم.. والله أعلم وأحكم..والله غالب على أمره.

مدونة غربة على الفيسبوك


View Original

Viewing all articles
Browse latest Browse all 18262

Trending Articles