د/ موفق مصطفى السباعي
—
يتحدث شخص مع شخص آخر بكلام عربي فصيح ، أو باللهجة التي يفهمانها ، إلا أن المستمع قد يشرد عن متابعة الحديث بشكل متواصل ، ولو لثواني معدودة ، محلقا في عوالم أخرى ، وفجأة يعود من جولته الخيالية فترن في أذنه كلمة قد تكون بالنسبة إليه استفزازية ، وبما أنه غاب عن متابعة ما قبلها فيفصلها عن سياقها ويفهمها لوحدها ويبني عليها حكما جائرا مغايرا لمضمون الكلام بجملته ويبدأ العراك والشجار الكلامي بينهما لا لشئ فقط لأن حضرة المستمع شت عن مواصلة الإستماع للحظات أو أنه لم يستوعب الحديث بكامل تفاصيله ، أو أنه أحيانا يكون لدى المستمع حساسية شديدة مرهفة إلى درجة عالية جدا تجعله يفسر الكلمات على غير المراد منها ، ويحملها معاني لا تتضمنها ولا تحتويها ويظنها أنها ضده ، علما بأن المتكلم لا يعفى من المسؤولية فقد يكون كلامه غير مفهوم ، أو أنه لا يحسن التعبير ولا يوضح مقصده من الكلام .
ونفس الشئ ينطبق على القارئ لمقالة أو خبر صحفي ، أو لكتاب ، فقد يقرأ بسرعة كبيرة ، ويقفز بين السطور قفزا فيكون فكرة معينة ، تكون غير موجودة أصلا ضمن سياق الكلام ، ولكن السرعة في القراءة ، والشرود الذهني ، أو أحيانا سوء الظن في الكاتب ، أو تكوين فكرة مسبقة عنه لا تنسجم ولا تتوافق مع ميول القارئ ، يحدث خلطا وسوءً في الفهم .
في الحقيقة لا أكون مبالغا إذا قلت أن أكثر من 90% من الخلافات والنزاعات والمشاكل بين الناس سببها سوء الفهم وسوء التفهيم ، ولو أن كل طرف أنصت إلى الطرف الآخر بتؤدة ، وبتفتح ذهني واسع ، وتمعن في الكلام المقروء أو المسموع ، لنقص الخلاف بين الناس إلى حد كبير ، وارتاحوا من المعاناة والتراشق بالتهم والسباب والشتائم غير المبررة .
السبب الرئيسي الذي دفعني إلى التطرق لهذا الموضوع : هو أهميته الكبيرة جدا من خلال خبرتي الطويلة من المعاشرة مع الناس ، إضافة إلى متابعتي المستمرة لما يكتب ، ويقال عن الثورة السورية منذ إنطلاقتها في 15-3-11 ، وكذلك تعليق بعض القراء على بعض مقالاتي بشكل مخالف لما تتضمنه المقالة ، وعلى سبيل المثال وليس الحصر المقالة التي كان عنوانها أيها النباحون والرابط الخاص بها هو لمن أراد مراجعتها
فجاءت بعض التعليقات الغاضبة ، متهمة إياي بأني أتكلم بشكل عام عن كل الشعوب الأردنية واللبنانية والعراقية بأنها متواطئة ومؤيدة للنظام الأسدي ، وهذا غير صحيح ، ولا يمكن لأي إنسان فيه ذرة من العقل ، أن يصف كل هذه الشعوب العربية الشقيقة بهذا الوصف المهين ، ولا توجد أي إشارة في المقالة توحي أو تدل على هذا التعميم ، فكيف استنتج الغاضبون ذلك ؟؟؟
إن المقالة تتحدث عن فئة معينة صغيرة من هذه البلدان ، تواطأت بشكل مفضوح وعلني ومكشوف ، مع النظام الأسدي ، مبررة ذلك بمبررات تافهة قبيحة ، بل هي أقبح من الذنب الذي يرتكبه هذا النظام المجرم ، الذي لم يبق مخلوق في الكرة الأرضية ، إلا واستنكر وندد ، وشجب واستغرب واستهجن ، ما يحصل على أرض سورية ، وما يمارس من قتل وذبح وسفك للدماء فاق كل تصور وكل خيال ، إلا هؤلاء النباحون ، ماتت فيهم كل القيم والمبادئ ، وكل الأحاسيس والمشاعر ، وقست قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة ، وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ، وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ، وإن منها لما يهبط من خشية الله .
إنه سوء الفهم عند هؤلاء الإخوة الطيبين ، وسوء الإستنتاج والتقدير
وقد علقت على ذلك بما يلي:
العجيب الغريب في بعض القراء أنهم يقرؤون بسرعة كبيرة جدا ويلتقطون بعض الكلمات ويفصلونها عن سياقها ثم يعلقون عليها
لا توجد في المقالة أي إشارة إلى اتهام كل الأردنيين والعراقيين واللبنانيين أنهم جميعا يناصرون النظام الأسدي
المقالة تتحدث عن فئة المناصرين فقط للنظام من هذه الدول وهذه حقيقة لا يجادل فيها أحد ولا تعيب بقية الشعب
والمقالة لا تحتوي على سب وشتم أي مخلوق ، وإنما هو توصيف لهذه الفئات المناصرة للإجرام الأسدي وهذا مذكور في القرآن الكريم بشكل كثير فهل الله الخالق العظيم سباب وشتام حينما يقول عن بعض الناس ( أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا)
هل هناك أشد ايلاما وتوبيخا وتسفيها لهذه الفئة من المخلوقات أشد من هذا الكلام الرباني ؟؟؟
يا إخوتنا نحن نتأدب بأدب القرآن ، وهذا هو أدب القرآن
فإذا كان البعض يظن أنه سيكون متأدبا أكثر من القرآن في التعامل مع الذين لا يعقلون ولا يفهمون ، ويعتبر نفسه رباني أكثر من الرب وحريصا على مشاعر الناس أكثر من حرص الله ، فهذا بحاجة إلى مراجعة نفسه ومعلوماته
فموسى عليه السلام الذي طلب منه ربه في البداية أن يخاطب فرعون باللين واللطف ، ولما لم ينفع هذا الخطاب مع فرعون قال له موسى ( وإني لأظنك يا فرعون مثبوراً )
اللين واللطف لا ينفع في كل الأوقات
والمعركة الآن معركة دماء تحتاج إلى خطاب يناسب هذه المعركة
واللبيب من الإشارة يفهم