جمعة الحظر الجوي كانت بداية اتجاه الضغط السياسي السوري نحو الخارج، وهو ما وصل إلى حالات استجداء مزرية كتسمية إحدى كتائب الجيش الحر “كتيبة حمد ابن جاسم”.التدخل الخارجي هو أكثر النقاط خلافية وتسبّباً بالشقاق بين الثوار بعد أن حسم أمر السلاح وأصبح العنف الثوري منتشراً وأمراً واقعاً.
لأسباب عديدة اقتنع الكثيرون من شباب الثورة السلمية بوجوب تطبيق حظر جوي ومنطقة عازلة وممرات آمنة وما إلى هنالك، وساق المجلس الوطني هذه الفرضية الحمقاء (الغرب سيتدخل لحماية الشعب إذا ضمن مصالحه) نحو الطريق الطويل الذي انتهى باقتناع الكثيرين بأن الغرب لن يتدخل. البارحة يسرب عبر العربية خبر طلب باراك (إيهود) من باراك (أوباما) تخفيف الضغط على النظام السوري حامي الحمى وحارس الحدود الشمالية.. الأتراك قالوا وقالوا واليوم يعاملون لاجئينا معاملة الأنعام، هربوا من الواجهة ودخل السعوديون خطّ المدافعين عن الشعب السوري، وهو دفاع إنشائيّ لا طائل منه، بل يضرّ ثورتنا بسبب الأمل الكاذب بوجود شرف أو نخوة في سياسيي العالم، وكأننا أبناء البارحة! السوريون يضحون بحياتهم لإسعاف صحفيّ أجنبيّ، والصحفيون يدخلون إلى بلد لا أمان لهم فيها مخاطرين بحياتهم لأجل كلمتنا المكتومة. هذا هو التضامن الحقيقي، اطباء بلا حدود أو الصحفيون المستقلون يمثلون شعوبهم على الأرض أكثر مرات من الحكومات التي احترفت تجارة الدم منذ قرون، أرى أن هذا هو الشكل الوحيد المتاح للتدخل الخارجي المباشر، لن يضحّي رئيس حكومة بقطرة دم من شعبه تحت مسؤوليته، بالأخص في مواسم الانتخابات.
الموت ولا المذلّة! لا يمكن قبول منطق التدخل العسكري الأجنبي الجميل الوردي بعد اليوم، لا يريد العالم أن يتدخل، ربما هو قدر هذه الحضارة أن تبنى قطرة دم بقطرة، وأن تحرر شوارعها شارعاً شارعاً، وتبنى مؤسساتها حجراً حجراً. والأهم، تلقننا دروس التاريخ درساً درساً، لا يريد لنا قدرنا أن تقوم بأنصاف الثورات، ثورتنا عرّت الجميع، سوريون وأجانب، أسطورة شعبنا تكتب يوماً بعد يوم بأقسى الطرق الممكنة لتنتج أكثر الثورات جذرية على الإطلاق.
الثورة ستتبرأ من كل متسلق شيئاً فشيئاً، إن أراد لها التاريخ أن تذهب نحو الأناركية فهذا رغم كلفته العالية يعطي النتيجة الحقيقية المنطقية، لا يريد العالم أن يتدخل، أشعر بتواطئهم دون أن يعلموا، هم يعتقدون أنهم يساعدون النظام، لكن النظام انتهى وصرنا نبحث عن النهاية الأكثر تناسباً مع المستقبل الذي نريد. وطالما لن يتدخل بنا الأجانب فثورتنا محلية بعيدة عن السياسة، مثالية القيم وكثيرة الأخطاء، كالإنسان السوري العاديّ، لا أحد يمثله والكل يمثل عليه. ثورتنا تشبهنا أكثر، يوماً بعد يوم. وكل الدنيا في وجهنا، لكن… لم لا؟ أليست هذه الأرض التي تعلم عليها الإنسان الزراعة وقرأ الحروف في أبجدية؟ مهما نقصنا أشياء، لن ينقصنا الإبداع الكافي لخلق تجربة ثورية سورية جديدة، ربما ينقصنا وقت لا أكثر لنحقق استقلالنا الجديد من الاستبداد ومن كل ما يصلح ليستقل عنه المرء
View Original